ورد في مجلة الدراسات السودانية-ديسمبر1982 مقال للأستاذين / محمد مهدي محمد و زكريا علي أحمد عن اقتراض اللغة العربية من اللغات النوبية ، فالمقال لا يتحدث عن اقتراض الالفاظ وانما عن اقتراض التراكيب والصيغ وهو الأمر الذي لم يبحث فيه الدارسون كثيراً كما هو الحال في الألفاظ ، واليكم بعض ما جاء في المقال :
كان بين العربية والنوبية صراع طويل الأمد كانت الغلبة فيه للغة العربية ، فاندثرت لغة النوبيين من السودان الأوسط بكامله ، وانكمشت رقعتها فانزوت من ناحية من بيئتها بين الشلال الأول والرابع . وربما فر بعض الناطقين بها غرباً واحتموا بالجبال في جنوب اقليم كردفان طلباً للأمن .
ولما كانت اللغة المتنقلة الى بيئة جديدة تاخذ شكلا يستمد بعض جذورها من لغات البيئة الجديدة التي صارعتها ، فقد انتقلت الى اللهجة العربية بعض الخصائص الصوتية من اللغة النوبية، فالخلاف الصوتي الذي تتميز بها اللهجات العربية المعاصرة في الأقطار العربية لا يمكن تفسيره على ضوء اختلاف لهجات القبائل العربية التي هاجرت الى هذه البيئات فحسب ، ذلك لان الاسانيد التاريخية تبرهن على ان بعض القبائل ذات اللهجة الواحدة قد توزعت بين معظم هذه البيئات ولم يكن من المالوف –كما يذهب بعض الدارسين – أن تختص كل قبيلة بقطر من الأقطار .
ومن آثار هذا الصراع ونتائجه ايضا أن اقترضت العربية في السودان من اللغة النوبية مفرداتها الحالية المرتبطة بالزراعة وأدواتهاوأسماء نباتها وغلاتها وشجرها الذي لم يكن لنازلة ضفاف النيل من أبناء الجزيرة العربية مدرها ووبرها بها عهد . وهذ ما يعرف عند الدارسين باقتراض الالفاظ وهوامر لم تنج منه لغة ما لانه وليد الحاجة . ومن امثلة الكلمات النوبية المقترضة Loan words في اللهجة العربية السودانية : المريق ،المقاد ، الاشميق ، البرتمودة ، الدوكة ، المترة ، الاسكاق ، التقند والالس …الخ.وبعض هذه الكلمات تحمل ميسم تعريبها وهو اضافة اللاحقة ( آق ) Suffix eg
ونحن نضرب صفحاً عن اقتراض الالفاظ ، مكتفين بالامثلة القليلة التي سقناها لنقدم نوعا آخرا من الاقتراض يتعلق بالتراكيب والصيغ وهو أمر لم يتعرض له الدارسون المنشغلون باللغة النوبية فيما نعلم .
والامثلة التي نقدمها هنا مستقاة كلها من من لغات المجموعة النوبية وهي النوبيين Nubin أو لغة المحس / الفادجا كما يسميها نفر آخر من الدارسين ، ولتوضيح الصلة بين النوبيين وأخواتها ، نقدم هنا شجرة ال المجموعة النوبية كما وضعها رولاند استيفن(راجع اللغة النوبية والحضارات القديمة)
وترتبط لغة المحس الفاديجا Nubin بصلات قربى وشيجة مع الكنزية الدنقلاوية Oshker على نحو يحملنا على الاعتقاد بأن الصيغ المستعارة من النوبيين Nubin في العربية السودانية تقابلها مثيلاتها في الكنزية الدنقلاوية حتى ولو تباينت المفردات الموظفة في كل من اللغتين في اداء هذه التراكيب والمعاني ، الا اننا نرجئ البحث في هذه المسالة الى حين تناولها في دراسة اخرى منفصلة في المقايسة النحوية للغات النوبية .

*في الحال ( المضارع)
الامثلة :
1- قاعد = آق
تستخدم اللغة النوبية الفعل (آق-ag ) للجلوس، وهو يتصرف تصرفا كاملا تبعا للازمنة المختلفة ووضع الفاعل معه مفردا كان او جمعا ، وتبعا للضمير من متكلم او مخاطب او غائب ، او فردا كان او جمعا ايضاً .( يستخدم (آق) في النوبية كفعل مساعد مع فعل آخر ماضيا كان اوحاضرا بغرض صياغة الماضي المستمر والحاضر المستمر) ان صياغة مثل هذه الجمل تكون في النوبية على النحو التالي :
الاسم او الضمير +الفعل المساعد (آق) +الفعل
وقد انتقلت هذا التركيب الى اللهجة العربية السودانية التي اخذت تستخدم الفعل المساعد (آق –ag )مترجماً الى (قاعد ) في تراكيبها. ويمكننا توظيف اللهجة العربية السودانية للفعل المساد على النحو التالي:-
الاسم او الضمير + الفعل المساعد (قاعد )+ الفعل
الامثلة :
الولد/هو قاعد ياكل
البنت/هي قاعدة تاكل
انا قاعد آكل
انتو قاعد+ين تاكلو
هم قاعد+ين ياكلو
هن قاعد+ات ياكلن

*في الماضي
الولد /هو كان قاعد يشرب
البنت/هي كان+ت قاعد+ة تشرب
(وهكذا بقية الضمائر)
هذا وقد تولدت من هذه الاستعارة للفعل المساعد في اللغة النوبية عبارات مربكة الدلالة في اللهجة العربية السودانية لا تستقيم للمنطق العام نحو:-
1/قاعد يصلي بالناس ( فهي لا تعني انه يصلي بالناس قاعدا ، بل انه يصلي بالناس اماما فحسب.
2/قاعد يلعب كورة ، كذلك لا يعني انه يلعب جالساً.

يذكر الكاتبان كثيراً من الصيغ النوبية التي انتقلت الى العامية السودانية منها :
أ)عاد=wida
1/ عاد حنسوي شنو؟
Wida minna ha –awru?
2/ شنو حنسوي عاد؟
Minna ha-awru wida?
3/شنو عاد حنسوي؟
Minna wid ha_awru?

(ب) ساكت
قاعد يتكلم ساكت ( السكوت والكلام ضدان لا يجتمعان والمقصود انه يتكلم دون هدف)

(ج)ناس
يقول الشاعر الحاردلو :
الزول الصباه فات الكبار والقدرو
كان شافوه ناس عبد الله كانو يعذرو
وليس ناس عبد الله هو سوى اخيه عبد الله الذي يخاطبهالشاعر في شعر ينسب اليه :
يا عبد الله اخوي السيسبان مانوس
وفي ضل الرهين راتعات معيز ام روس
ال في عينو حمره وفي ايديه فلوس
أكان ختاها الملم ما اظنه يلقى عروس

وفي اغنية شعبية :
يا حليل ناس آمنه وقت الليل يجن
فليس حنين الشاعر حين يدلهم الليل الى اهل حبيبته آمنه ، انما حنينه اليها وحدها0
تجد في النوبية مثلاً :
احمد تو= ناس احمد
عبد الله قو= ناس عبد الله

(د) ما
ما اكلت : بمعنى قد اكلت
ما شربت: بمعنى شربت
(ما ) للحض في الجمل الدالة على الامر:-
ما تاكل : بمعنى : كل
ما تشرب : بمعنى اشرب
(هـ) واحد( جمع ) we ku (pl)
في سلائق اللغة النوبية اضافة اللاحقة الدالة على الجمع الى واحد : واحد+ين -we +ku
وقد روى صاحب اللسان تثنية ( احد) وانشد عن ابن الاعرابي :
فلما التقينا واحدين علوته**بذي الكف اني للحماة ضروب
كما ورد جمعه على حد المذكر السالم في قول الكميت :
فقد رجعوا كحي واحدينا
اما في اللهجة السودانية ( وكذلك في النوبية ) لا توجد تثنية للواحد بل الجمع فقط :
1/واحدين ماشين المدرسة
2/شفنا واحدين ماشين
3/جينا مع واحدين من حلتكم

(و) قايل=Igedagi
تعبر اللغة النوبية عن معاني الظن والحدس والتوهم والاعتقاد ب(القول) فهي لا تعبر عن هذه المعاني الا على هذا النحو.ونحسب ان هذه التراكيب قد انتقلت الى اللهجة العربية السودانية من اصولها النوبية فاستقرت فيها حتى اوشكت ان تطغى على ما عداها ، فليس من المالوف في عربية اهل السودان استخدام اسماء الفاعلين من ( ظن ) أو ( توهم ) وما اليها من افعال دالة على مقاصدهما ، اذ يفرون منها كلها الى استخدام ( قايل ) للدلالة على مثل هذه المعاني اقتراضاً لأساليب اللغة النوبية.
انتهى المصدر.
مع تحياتي،،

#اللغة_النوبية_الخير_ابنعوف