من كتاب اللغة النوبية والحضارات القديمة/الخير محمد حسين ابنعوف

جهتان اساسيتان في هجرة بني اسرائيل:
هنا لك جهتان اساسيتان في هجرة بني اسرائيل ، والجهتان هما:-
1/ الجهة التي اتجهوا اليها عندما نزلوا الى مصر .
2/ الجهةالتي اتجهوا اليها عندما خرجوا من مصر ( رحلة العودة) .
واذا ما استطعنا الوقوف على حقيقة الجهتين المذكورتين توصلنا بسهولة الى الاماكن التي شملتها الرحلة في مراحلها الاولى يقول تعالى في سورة البقرة –الآية-61-( قال اتستبد لون الذي هو ادنى بالذي هو خير اهبطوا مصراَ فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) .الهبوط هنا يعني السير في اتجاه الشمال _ أي في اتجاه جريان النيل ، كما أن الصعود يعني الاتجاه نحو اعالي النيل. مما سبق أقول ان بني اسرائيل حين هبطو الى مصر كانو ا في منطقة اعلى من مصر –أي في السودان – اذ أن لفظ النزول يستخدم كثيراَ في وادي النيل للدلالة على السير او السفر إلى اتجاه جريان النيل-أي نحو الشمال – ، كأن تقول مثلاَ نازل من كريمة الى دنقلا ، ونازل من حلفا الى اسوان . فالنزل إذاََ هو الحركة نحو الشمال سواء كان ذلك براَ أو بحراَ (بالنهر) .
أما الصعود في رحلة بني اسرائيل كما ورد في التوراة على لسان موسى عليه السلام:-
في سفر عدد- اصحاح-33-فارتحل بنو اسرائيل من رعمسيس ونزلوا في سكوت (بلدة اثرية في المحس السودانية) ثم ارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام التي بطرف البرية وساروا مسيرة تلاثة ايام في برية ايثام ونزلوا في مارة ثم ارتحلوا من مارو وأتوا إلى إيليم ( بلدة قديمة تقع جنوب عطبرة بين نهر عطبرة ونهر النيل – شرق الزيداب ) .
– سفر الخروج –اصحاح 3 –الآية -8-( فنزلت لانقذهم من ايدي المصريين واصعدهم من تلك الارض الى ارض جيدة واسعة . الى ارض تفيض عسلاَ ولبناَ ). وفي نفس السفر والاصحاح –آية 17 (فقلت اصعدكم من مذلة المصرين الى ارض الكنعانيين والحويين . الى ارض تفيض عسلا ولبنا) .
قبل الدخول في شرح الصعود دعونا نعرف ما المقصود بالكنعانيين والحويين. كنعان و كوش هما ابناء حام بن نوح عليه السلام . ومعلوم ان مملكة كوش النوبية تنسب الى كوش بن حام بن نوح عليه السلام . اما الكنعانيون فهم سكان الجزء الشمالي من النوبة ، إذ ان لفظ (كنى-kannei ) يعني الشمال بالنوبية. ولا وجود لحرف العين في النوبية،وفيما بعد استخدمته العرب للدلالة على سكان شمال شبه الجزيرة العربية.أما الحويون : فهم سكان الخوي ، وهي المنطقة الصحراوية الوقعة شرق بلاد النوبة وغربها الى كردفان ودارفور غرباً ، وإلى صحراء العتمور شرقاً (العتمور: أصلها : أتمور وتعني:أبريق مصنوع من الفخار تستخدمه النساء).
أماالاسم النوبي للخوي فهو (حوي) كما جاء في التوراة. فالصعود هنا يعني السير نحو اتجاه الصعيد أي الجنوب .

العبور كان نهرياً
الإسم القديم لعبري:
الإسم القديم هو ( أبرتي- abirti بالنوبية الدنقلاوية ،والفعل المضارع منه (آبري -abiri)
وهو إسم يطلق على أطراف القماش بعد ثنيها وخياطتها لتكون أكثر متانة ، وإسم أبرتي تشبيه للبحر حين انفلق لموسى عليه السلام بالقماش بعد شقه و ثني طرفيه وخياطتها .علماً بأن إسم البحر يطلق على النهر أيضاً في اللغة العربية.ولعل ما جاء في التوراة يؤيد ذلك :سفر الخروج-إصحاح 17 آيات 4،5 (فصرخ موسى إلى الرب قائلاً ما ذا أفعل بهذا الشعب، بعد قليل يرجمونني ( 5) فقال الرب لموسى مر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها بيدك واذهب) .
ورد في كتاب قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار صفحة (70) عن معنى العبرية (يقول الدكتور إسرائيل ولفستون أن لفظ عبري يعني العبور بالعبرية وهو نفس المعنى بالعربية).وعبرى هي المنطقة التي عبر منها سيدنا موسى إلى الشرق، فأتبعه فرعن وجماعته.قال تعالى في سورة الشعراء الآية -90- (فأتبعوهم مشرقين) .وورد في التوراة أن النبي موسى عليه السلام وجماعته عند ما عبروا البحر الى الشرق واغرق الله فرعون وجيشه ، ضربت مريم ابنة عمران الدف فرحاً بالنجاة والنصر على فرعون . والحقيقة الماثلة اليوم أن المنطقة التي تقع على الجهة المقابلة لعبري تسمى ( مريم بوت) : وتعني بالنوبية : أرض مريم أو منطقة مريم.

رحلة العـــــودة
كما ذكرت سابقاً أن الرحلة الأولى لبني إسرائيل كانت من الجنوب إلى مصر . يقول الله تعالى في القرآن الكريم(قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير أهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت علهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله) . الهبوط أي النزول في وادي النيل يعني الإتجاه نحو مصب النيل كما يعني الصعود العكس – نحو النابع – ومهمة موسى عليه السلام كان تحرير بني إسرائيل من عبودية المصريين بعد أن ضربت عليهم الذلة والمسكنة والغضب الالهي، علماً بأن مصر آنذاك كانت تطلق على الأجزاء الشمالية من السودان الحالي وصعيد مصر وذلك حسب ما أجمع عليه المؤرخون ، علماً بأن الشمال المصري كان عبارة عن مستنقعات خالية من النشاط البشري .ويقول المؤرخ السنغالي الشيخ انتاديوب : أن ما كان يسمى بمصر قديماً هو السودان الحالي . في التوراة- سفر الخروج- إصحاح (8)آية (8 ) على لسان موسى عليه السلام(فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين واصعدهم إلى أرض جيدة واسعة تفيض عسلاً ولبناً ). وفي سفر التثنية –اصحاح 6-آية -1- ( أحفظ شهر أبيب واعمل فصحاً للرب لأن في شهر أبيب أخرجك الرب إلهك من مصر ليلاً ) شهر أبيب من الشهور القبطية المشهورة في المنطقة النوبية ، ويعتمد عليها النوبيون في توقيت زراعة المحاصيل المختلفة وتحديد ارتفاع وانخفاض النيل إلى يومنا هذا .
وبملاحظة عابرة في السرد التوراتي يتبين الغموض أكثر، لأن بعض المواقع التي مروا بها في خط سيرهم (العودة ) معروفة بأسمائها القديمة إلى اليوم. ورد في التوراة –سفر عد-إصحاح (33) آية (5) { فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس ونزلوا في سكوت ثم ارتحلوا من سكوت(منطقة أثرية في شمال السودان) ونزلوا في إيثام التي بطرف البرية ثم ارتحلوا من إيثام ورجعوا على فم الحيروث(قد تكون خشم القربة) وعبروا في وسط البحر إلى البرية وساروا مسيرة ثلاثة أيام في برية إيثام ونزلوا في مارة ثم ارتحلوا من مارة وأتوا إلى إيليم( بلدة قديمة تقع جنوب عطبرة بين نهر عطبرة ونهر النيل شرق الزيداب)وكان في إيليم إثنا عشرة عين ماء وسبعون نخلة فنزلوا هناك ثم ارتحلوا من إيليم ونزلوا على بحر سوف (النيل الأزرق كما وضحنا سابقاً ،فقلب حرف الفاء باءً شائع في النوبية مثلاً: للتمر : بَنت وفنت- والكلام بنجد وفنجد)ثم ارتحلوا من بحر سوف ونزلوا في برية سين،(برية سين : تعني بالنوبية : سينار وهو الأصل لإسم سنار المدينة السودانية، سين: تعني السرة بالنوبية أما (آر) فتعني البرية والأرض والمنطقة وتوجد مناطق نوبية كثيرة شبيهة مثل : كمنار: أرض الجمل- تمنار: أرض البطيخ- حيثمار:أرض الحيثيين . نجد كثيرأ من الأسماء النوبية منتشرة في بقاع العلم مما يجعل البعض يظن أن النوبيين أتوا منها ، والصحيح العكس وذلك لقدم الحضارة النوبية مقارنة ببقية الحضارات).أواصل في السرد التوراتي:ثم ارتحلوا من برية سين ونزلوا في دفقة }.وتستمر الرحلة وأثاء الرحلة قاموا بختان جميع أبناء الذين ولدوا في مصر وفي رحلتهم الطويلة ، ورد في التوراة بأن المنطقة التي ختنوا فيها أبناء هم سميت بإسم المختونين، والبلدة التي تحمل هذا الإسم في السودان هي ( مريدي) ومريدي باللغة النوبية تعني (المختونون)

عيسى عليه السلام
أسي (Asse ) يعني بالنوبية الفسيل offset وهو فرع ينمو من البراعم الإبطية للساق الأصلية، ويكون لهذا الفرع مجموعاً جذريا مستقلاً ومجموعاً خضرياً يمكن فصلهاً عن النبات الأم ونقلها إلى مكان آخر، وهو ما يسمى علمياً بالتكاثر الخضريVegetative Reproduction ، مثال ذلك نبات الموز والنخيل .ولعل الشبه واضح في أن كلا الحالتين لا وجود فيهما للعنصر الذكري .وفي الآية (25 ) من سورة مريم يقول الله تعالى ( وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً ) .فالعلاقة واضحة بين السيدة مريم والنخلة ، فهي إنفصلت عن البشر وصامت عن الحديث معهم ولكن صلتها بالنخلة لم تنقطع وذلك في أحلك الظروف وذروة الأزمة. من العادات المتواترة عند النوبيون إنهم ما زالوا يستخدمون عصير التمر كطعام مفضل للمرأة النفساء وذلك في الأيام الأولى للولادة.
عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من الشجر شيء يلقح غيرها.) وفي حديث آخر أطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران .

مريم: ميري: Mary
تعني :البركة المائية الصغيرة المفصولة عن النيل .أي الحوض الذي يحتفظ بمائه بعد الفيضان أي بعد نزوح النيل عنه .المعنى هنا:المقطوع أو المنفي أو الذي يهجره الناس. فقد أراد الله تعالى عالم الغيب وما سيكون أن تسمى السيدة مريم بهذا الاسم لتواجه مصيرها مع قومها مستقبلاً عندما حملت بعيسى عليه السلام وهجرها قومها.قال تعالى ( فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً ) سورة مريم –آية 27
ملاحظة: قال تعالى في سورة مريم (فأجاها المخاض إلى جزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) لم يقل إلى تحت النخلة أو ظل النخلة، لما ذا الجزع إذن؟ لان الجزع مصدر الفسيل ، ففسيل النخلة تخرج من جزعها .فعلاقة النخلة بالبشر علاقة خلقية فضلا على انها نموذج حي لقصةالسيدة مريم وابنها عيسى عليه السلام.

ملاحظة:
قال تعالى في سورة مريم (فأجاها المخاض إلى جزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) لم يقل إلى تحت النخلة أو ظل النخلة، لما ذا الجزع إذن؟ لان الجزع مصدر الفسيل ، ففسيل النخلة تخرج من جزعها .فعلاقة النخلة بالبشر علاقة خلقية فضلا على انها نموذج حي لقصة
السيدة مريم وابنها عيسى عليه السلام .
فالله تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى .
وخلق حواء من ذكر بلا أنثى .
وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر .
وخلق النخلة من طينة آدم.
يقول الله تعالى في شأن عيسى عليه السلام ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) سورة آل عمران . أن القاسم المشترك بين آدم وعيسى عليهما السلام هو ( الروح) روح الله هي التي جعلت من الصلصال إنساناً في حالة آدم ، وجعلت من اللاشيء إنساناً في حالة عيسى عليه السلام . فال تعالى ( ومريم ابنة عمران التي احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) الضمير في ( فيه ) راجع إلى فرج السيدة مريم ، أما في شأن آدم عليه السلام فقوله تعالى ( فإذا سويته ونفخت فيه من من روحي فقعوا له ساجدين ) لاحظ الفرق بين (روحنا ) و( روحي ) في الأولى بواسطة الملك أما في الثانية فلا وساطة.

الإنجيل :
(أنجي -Angi ) يعني الحياة و( آنجي) يعني الفعل يحيا، أما ( إيل -eell ) فهو أداة إسم الفاعل كما ذكرنا من قبل. المعنى الكلي للإنجيل هو : المحيي فكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى بإذن الله.

إسحاق عليه السلام
يقول الثعلبي في كتابه : قصص الأنبياء صفحة 96 في وصف يوسف عليه السلام( أن يوسف ورث الحسن من جده إسحاق بن إبراهيم، وكان أحسن الناس ، وإسحاق هو الضاحك بالعبرية.(انتهى المصدر).وهو نفس المعنى بالنوبية ، فالكلمة أصلها (أسو آق ( osu ag ويعني الضاحك أيضاً . ففي جبال النوبة مازالت الصيغة النوبية هي السائدة، فـ (أُسوآق) هو إسحاق عندهم حتى اليوم.