لا بدّ لي، بادئ الرأي، أن أشكر الأخ العزيز الأديب، صلاح الأحمر، الذي أيقظ هذه الكلمة من سباتها في ذهني.
نجام قبورة
مادّة نَجَم، معروفة في الفصحى وتفيد الطلوع والظهور، ويأتي الفعل منها لازماً في الغالب. يقال نجم الشيء: طلع وظهر، ومنها: نجم النبات ونجم السنّ. ومنها أيضاً: نجم السهم بمعنى نفذ. ومن ذلك الصيغة الاسمية نجم، للكوكب من كواكب السماء لظهوره، ومفردها نجْمٌ وتجمع على أنجم ونجوم وأنجام ونُجُم. ونجمة اسم مفرد للنبات عند طلوعه من غير ساق، مثل البقول والعشب، وعكسه الشجر، واسم الجنس منه نجم. وفي القرآن الكريم: “والنجم والشجر يسجدان”.
وتتميّز العامّية السودانية وتكاد تنفرد، بحضور مادة نجم بمعنى النبات، حضوراً منتجاً حيّاً، لا مثيل له، فيما نعلم، في دوارج العرب وفي فصيحهم، في يومنا هذا. وترد في دوارج السودان العربية، في صيغتين: حقيقية ومجازية، فالنجّام، بتضعيف الجيم، في (قاموس العامية السودانية) لعون الشريف: “النباتات الطفيلية الدقيقة التي تلتقط للبهائم”، ويستشهد عون الشريف، رحمه الله، لذلك بقول المادح المشهور، حاج الماحي (1789-1871م.) في وصف الأرض المزروعة التي ترويها الساقية:
“حاج صالح حرت نجّامها”.
وكما تعلم، فإن الكلمات لها معانٍ محسوسة ملموسة في الحقيقة، وقد تنصرف دلالتها إلى معانٍ مجرّدة في المجاز، وعلى هذا، فإن نجّم تعني في العامّية السودانية (مجازاً) أدّب وطوّع وقهر، في قولهم: نجّم فلانٌ فلاناً. وتعني أيضاً: أتقن العمل والصنعة وجوّدهما.
أما الدلالة الحقيقية الملموسة لمادّة نجّم، في دوارج السودان، فتنصرف إلى “حشّ القشّ”، أو إزالة النبات من الأرض تمهيداً لزراعتها، ومنه الآلة المعروفة في السودان باسم النجّامة، التي تتّخذ لحشّ العشب.
ولعلّ من شواهد رحلة انصراف الدلالة من معناها الحقيقي إلى معناها المجازي، في اللهجة السودانية، قولهم الذي يجري مجرى الأمثال: “نجّمه نجام قبورة”، أي أدّبه وقهره وأذلّه وطوّعه، وفعل فيه ما تفعله القبورة في الزرع. والقبورة هي فصيلة من الجراد، تأتي على الأخضر واليابس من النبات، فتقضي عليه.
د. مصطفى احمد علي،
الرباط، أبريل ٢٠٢٠م.